– فى هذا الموضوع سيتم مناقشة التركيب الكيميائي للصابون ولكن قبل ذلك سيتم مناقشة مقدمة تاريخية عن اكتشاف الصابون.
مقدمة عن صناعة الصابون
– لم يكن الصابون الذي نستعمله اليوم معروفاً لدى القدماء، ولكن المعتقد أن بعض الحضارات القديمة مثل حضارة المصريين القدماء والسومريين والحيثيين كانوا يستخدمون بعض العصارات القلوية لبعض النباتات أو الرماد القلوي المتبقى بعد حرقها، في تنظيف أيديهم وأدواتهم.
– من المعتقد أن الصابون لم يعرف إلا نحو عام 600 قبل الميلاد، فقد كان الفينيقيون يحضرونه بتسخين دهن الماعز مع رمـاد بعض الأعشاب والأخشاب القلوية والغنية بكربونات البوتاسيوم، فى وجود قدر صغير من الماء، وكانوا يتركون هذا الخليط ليبرد ويتحول إلى مادة تشبه الشمع فى ملمسها ولكنها تحدث بعض الرغوة عند رجها مع الماء، وتساعد على التنظيف مشابهة في ذلك للصابون في مظهره العام وفي خواصه.
– تشبه هذه العملية إلى حد كبير عملية التصبن التي نستخدمها اليوم في تحضير الصابون وإن اختلفت معها قليلا في بعض تفاصيلها.
– يبدو أن صناعة الصابون قد انتقلت بعد ذلك إلى بلاد الإغريق والرومان بواسطة البحارة الفينيقيين الذين كانوا يجوبون بسفنهم مياه البحر المتوسط، ثم انتشرت هذه الصناعة فيما بعد في كثير من الأقطار الأخرى.
– قد ازدهرت صناعة الصابون في القرن الحادى عشر في فينيسيا، ولكن بعض الحكام في ذلك الزمان كانوا يفرضون ضرائب مرتفعة على صناعة الصابون ولذلك لجأ كثير من الناس إلى صنع الصابون في منازلهم.
– قد توقف صناعة الصابون فترة في خلال العصور الوسطى في أوروبا لأن الكنيسة في ذلك الوقت كانت ترى أن تعرية جسم الإنسان عمل محرم ومناف للآداب، حتى ولو كان الإنسان وحده وكان هدفه الاستحمام.
– لم يستمر هذا الوضع كثيراً، وخاصه عندما تقدمت معرفة الإنسان، واتضح له أن البكتريا هي السبب الرئيسى فى انتشار كثير من الأمراض، ولذلك عادت صناعة الصابون إلى الازدهار بسبب انتشار النظافة بين الناس.
– كان الصابون طوال هذه المدة يصنع بطريقة مشابهة للطريقة التي كان الفينيقيون يصنعونه بها، ثم تطورت هذه الصناعة فيما بعد.
– يعتقد أن العرب هم أول من صنع الصابون الجامد الذي انتقلت صناعته بعد ذلك إلى أوربا.
– كان العرب يصنعون الصابون من زيت الزيتون، وقد وصف داود الأنطاكي طريقة لصناعة الصابون من زيت الزيتون والقالى والكلس، وكذلك ذكر أبو بكر الرازي طريقة لصناعة الجليسرين من زيت الزيتون.
– كانت صناعة الصابون صناعة هامة فى بعض الأقطار العربية، وخاصة في منطقة الشام، في نابلس ودمشق وحلب وكان يصدر منها إلى كثير من الأقطار الأخرى.
التركيب الكيميائي للصابون
– أن التركيب الكيميائي للصابون المعتاد عبارة عن ملح من أملاح الصوديوم أو البوتاسيوم لبعض الأحماض العضوية ذات السلاسل الكربوبية الطويلة.
– توجد هذه الأحماض في مجموعة من المواد التى يطلق عليها اسم اللبيدات Lipids، وهى المجموعة التي تنتمى إليها أغلب الزيوت والدهون المعروفة، ولذلك تعرف باسم الأحماض الدهنية، وهى توجد في هذه الزيوت والدهون على هيئة إسترات مع الجلسرين.
– جدير بالذكر أن تصنيف بعض هذه اللبيدات إلى زيوت أو دهون إنما بني أساسا على الفرق في حالتها الطبيعية، فالدهن هو ما كان جامداً عند 20 سلزيوس، أما الزيت فهو ما بقى سائلاً عند هذه الدرجة.
– توجد هذه الأحماض الدهنية طويلة السلسلة كذلك في الشموع الحيوانية والنباتية، فهى توجد مثلاً فى شمع Spermaceti على هيئة إستر مع كحول السيتايل Cetyl alcohol، وهو الشمع الذى يحصل عليه من رأس الحوت.
– يتكون كحول السيتايل من ست عشرة ذرة من ذرات الكربون C16H33OH ، على حين يتكون شمع عسل النحل من إسترات للأحماض الدهنية مع كحولات تحتوى جزيئاتها على نحو C34 – C24 من ذرات الكربون.
– يوجد بالدهون الطبيعية نحو خمسين حمضاً دهنياً، بعضها مشبع وبعضها الآخر غير مشبع، وقد يحتوى الدهن الواحد على عشرة أحماض دهنية أو أكثر في تركيبه.
– ونظراً لأن الجليسرين كحول به ثلاث مجموعات هدروكسيل، فإن الجليسريد الناتج من اتحاده مع الأحماض الدهنية، وهو الدهن، قد يحتوى على ثلاثة أنواع مختلفة من الحمض أو قد يتكون من ثلاثة جزيئات من حمض واحد.
– من الملاحظ أن أغلب الأحماض الدهنية التي تدخل في تركيب الدهون والزيوت الطبيعية، تتكون جزيئاتها من عدد زوجى من ذرات الكربون.
– وقد تم عزل كل هذه الأحماض من حمض البيوتريك الذى يوجد في الزبد ويتكون جزيئه من أربع ذرات من الكربون إلى حمض السيروتيك الذى يتكون من ستة وعشرين ذرة من ذرات الكربون.
– أغلب الأحماض الدهنية شيوعا في الدهون الطبيعية هي حمض البلمتيك وحمض المريستيك، وحمض الستياريك:
– هذه الأحماض الثلاثة السابقة أحماض مشبعة ولكن حمض الأولييك C17H33COOH ، وهو حمض غير مشبع يعد من أكثر الأحماض الدهنية انتشاراً، حتى إنه يقال أنه يندر أن يوجد دهن طبيعي خال من هذا الحمض.
– هناك أحماض دهنية أخرى غير مشبعة مثل حمض لينولييك C17H31COOH وحمض لينولنيك C17H29COOH وهذا الأخير له أهمية خاصة حيث إنه يكون نحو 60% من زيت بذر الكتان وهو زيت جفوف يستخدم في صنع الطلاء والورنيشات.
– كذلك هناك حمض دهـنى هام وهو حمض رسينولييك C17H32(OH). COOH وهو يدخل في تركيب نحو 90% من الجليسريدات التي يتكون منها زيت الخروع الذي يستخدم في بعض الأغراض الطبية وفي صنع زيوت الفرامل وغيرها.
أهمية الأحماض الدهنية
– ويتضح من ذلك أهمية هذه الأحماض الدهنية، فمنها يصنع الصابون، وتستخدم فى كثير من الأغراض الصناعية الأخرى.
– كما أنها تعتبر مصدراً هاماً من مصادر الطاقة في جسم الإنسان فهى تتأكسد على عدة خطوات تفقد في كل منها ذرتين من ذرات الكربون على هيئة حمض الخليك وينطلق فيها قدر من الطاقة يستغله الجسم في عملياته الحيوية.
– حضرت بعض هذه الأحماض الدهنية طويلة السلسلة بأكسدة قطفات من الشمع البرافيني بالهواء فى وجود بر منجنات البوتاسيوم، وقد استخدمت هذه الطريقة في ألمانيا وعادة ما تحدث عملية الأكسدة في وسط السلسلة الهدروكربونية، فتتأكسد السلاسل المحتوية على 40 ذرة من ذرات الكربون معطية أحماضاً دهنية تحتوى جزيئاتها على 20 ذرة من ذرات الكربون.
– استخدمت بعض هذه الأحماض في ألمانيا في زمن الحرب في صنع الصابون، كما استخدمت جليسريداتها على هيئة دهون في تحضير الطعام.
– أما الأحماض التي تحتوى جزيئاتها على عدد أصغر من ذرات الكربون، نحو C4 – C9 ، فقد استخدمت إستراتها مع الكحولات طويلة السلسلة في صنع المواد الملدنة المستخدمة في صناعة اللدائن.
– كذلك تم استخدام الأحماض ذات الجزيئات الكبيرة في صنع أنواع من الشحوم والمزلقات.
المراجع
– كتاب الصناعات الكيميائية – الجزء الثالث – البترول والكيمياويات، الصابون الممظفات الصناعية. ، المطاط – د/ أحمد مدحت عبد السلام – القاهرة – دار الفكر العربي – الطبعة الأولى 1997.
– أسس الكيمياء الصناعية – د/ محمد مجدى واصل – القاهرة – دار الفجر للنشر والتوزيع – الطبعة الأولى 2005.
– الكيمياء الصناعية – الجزء الثاني – تكنولوجيا الصناعات الكيميائية العضوية. – د/ طارق إسماعيل كاخيا – الطبعة الأولى.