سمية المنظفات الصناعية
– أن سمية المنظفات الصناعية أمر هام جداً يجب الحذر منه وأخذه فى عين الاعتبار.
– يعتمد الأثر السام لمثل هذه المنظفات (سمية المنظفات الصناعية) على عدة عوامل، أهمها:
(1) طبيعة المواد الداخلة فى تكوين هذه المنظفات.
(2) درجة تركيزها في المجاري المائية التي تلقى فيها.
(2) المدة التي تبقى فيها هذه المواد دون تحلل.
عملية التحلل للمنظفات الصناعية
– تحلل المنظفات الصناعية سواء كان ذلك في جسم الكائن الحى من نبات أو حيوان، أو عن طريق التحلل بواسطة البكتريا وبعض الكائنات الدقيقة الأخرى، أو بواسطة بعض العوامل الطبيعية مثل ضوء الشمس وأكسجين الهواء.
– يطلق على هذا النوع من التحلل اسم (التحلل الحيوى Biodegradability)، وهو العملية التي تتحلل فيها المادة بفعل العوامل السابقة إلى مواد بسيطة ليس لها أثر ضار على البيئة وعلى الإنسان.
– يطلق على المنظفات الصناعية التي تتحلل بسرعة معقولة اسم (المنظفات اليسرة Soft Detergents)، وهي لا تحتاج لوقت طويل لتحولها إلى مركبات غير ضارة، وهذا النوع من المنظفات لا يمثل وجوده خطورة كبيرة على البيئة إذا كانت توجد فيها بكميات متوسطة وكان تركيزها في الماء مقبولاً.
– أما المنظفات شديدة الثبات، والتي تقاوم التحلل بالعوامل السابقة، أو يحتاج تحللها إلى وقت طويل، فيطلق عليها اسم (المنظفات العسرة Hard Detergents) ، وهي تسبب ضرراً كبيراً للمجارى المائية وللكائنات الحية التى تعيش بها، لأن أثرها السام يبقى في البيئة زمناً طويلاً.
– يختلف الأثر السام للمنظفات من كائن لآخر، فقد تكون المادة سامة عند تركيز معين بالنسبة للأسماك مثلاً ولكنها لا تعتبر سامة عند هذا التركيز بالنسبة للكائنات الدقيقة العالقة بالماء ؛ وذلك لأن مثل هذه الكائنات قد تكون لها القدرة على تحليل هذه المنظفات وتجنب أثرها السام.
– يتضح من ذلك أن عامل التحلل الحيوى عامل هام، ويمكن القول أن قابلية المادة للتحلل الحيوى تخفف كثيراً من أثرها السام.
– تعتبر سلفونات الألكيل، مثل سلفونات دوديسيل البنزين من المنظفات اليسرة ، أي من المنظفات جيدة التحلل الحيوى، ولهذا لا يبقى أثرها طويلًا في الماء.
قياس سمية المنظفات الصناعية
– عادة ما تقدر سميه المواد بقياس أو تعيين ما يعرف بالجرعة المميتة (Leathal Dose) وهى الجرعة التي تكفى من المادة السامة لقتل 50% من الكائنات الحية التي تتعرض لها ويرمز لها عادة بالرمز LD50
– تقاس سمية المنظفات عادة بالنسبة للطحالب وللأسماك والقشريات وكذلك بالنسبة للإنسان، فقد يصل قليل منها إلى مياه الشرب عندما تؤخذ من البحيرات أو الأنهار الملوثة بهذه المواد.
– تعتبر سلفونات الكيل البنزين وهى من أوسع المنظفات الصناعية انتشاراً، سامة بالنسبة للطحالب عندما يصل تركيزها فى الماء إلى نحو 10 – 300 مليجرام في كل لتر من الماء، ولكن الأسماك والقشريات تتأثر بها بصورة أكبر، فهى تعتبر سامة بالنسبة لكل منها عندما يصل تركيزها إلى نحو 1 – 10 مليجرام في اللتر.
– لا توجد بيانات كافية عن تركيز سلفونات دودیسیل بنزين الحقيقي في المياه الطبيعية للأنهار والبحيرات ولكن تركيزها قد يصل في بعض البلدان في مياه الشرب إلى نحو 0.06 – 0.01 مليجرام في كل لتر من الماء النقي، ولابد أن تركيزها فى المياه قبل التنقية أعلى من ذلك بكثير.
سمية المنظفات غير الأيونية
– تعد المنظفات غير الأيونية مثل إيثوكسيلات الكيل الفينول من المنظفات الجيدة، ولكنها لا تستعمل اليوم بكثرة رغم أنها سريعة التحلل الحيوى، بل تعد من المنظفات التي لها أثر ضار على البيئة؛ وذلك لأن عملية التحلل الحيوى تنجح في التخلص من الجزء الأليفاتى فى جزىء المادة، أى تنجح في التخلص من السلسلة الهدروكربونية، ولكنها لا تستطيع أن تتخلص من الجزء الأروماتي وهو الفينول.
– هكذا فإن عملية التحلل الحيوى فى هذه الحالة تؤدى إلى تكوين ناتج أشد سمية من المادة الأصلية، وهو الفينول الذى لا يتأثر بعملية التحلل الحيوي ويبقى كما هو.
– مادة إيثوكسيلات ألكيل الفينول مادة عالية السمية، فتصل سميتها إلى نحو 0.002 من المليجرام في اللتر بالنسبة للطحالب، وإلى نحو 0.3 – 0.1 من المليجرام في اللتر بالنسبة للأسماك، ولذلك لا يفضل استعمالها كمنظف صناعي، ولكن يمكن استخدام منظفات أخرى من هذا النوع غير المتأين، مثل إيثوكسيلات الكحولات الأليفاتية التي لا تعطى مواد ضارة مثل الفينول عند تحللها.
أثر الأضافات فى سمية المنظفات الصناعية
– بعض المواد التي تضاف إلى المنظفات ليس لها أثر حقيقى أو فعال في عملية التنظيف ومن أمثلتها المواد المزهية، والمواد الملونة وبعض العطور، ولكنها تضاف إلى المنتج من أجل الدعاية والتسويق.
– أما المواد المساعدة ومواد التبييض فهي مواد أساسية ولها دور هام فى عملية التنظيف ولا يمكن الاستغناء عنها، ولذلك يجب أن تؤخذ سميتها وآثارها الضارة على البيئة في الاعتبار.
– أولى هذه المواد هى مادة الفوسفات، وهى تضاف عادة إلى المنظف الصناعي على هيئة تراى بولى فوسفات وهى تعد من أهم المواد المساعدة على التنظيف وتؤدى إلى تثبيت أيونات الكالسيوم والمغنسيوم الموجودة بالماء، وبذلك تساعد على تحسين صفات المنظف الصناعي وترفع من صلاحيته في المياه العسرة
– تعتبر الفوسفات حالياً من أخطر المواد التى تحتوى عليها هذه المنظفات فهي تذهب مع مياه الغسيل إلى مياه الصرف الصحى الخارجة من المنازل، وعندما تصل إلى مجارى المياه الطبيعية مثل الأنهار والبحيرات تحدث بها ظاهرة تعرف باسم التشيع الغذائی (Eutrophication).
– تبدو ظاهرة التشيع الغذائى بوضوح في البحيرات المقفلة، فتؤدى زيادة نسبة الفوسفات بمياهها إلى انتشار الطحالب فيها بصورة هائلة تؤدى إلى نقص الأكسجين الذائب في هذه المياه، فتموت كل الكائنات الأخرى التي تعيش فيها، وتستبدل فيها البكتريا الهوائية ببكتريا لاهوائية تستهلك الغذاء، وتفرز التوكسينات السامة والميثان والنشادر وكبريتيد الهيدروجين، وتصبح المياه بذلك خالية تماماً من الأسماك والقشريات، وتتحول إلى مياه عفنة غير صالحة للشرب أو للزراعة أو حتى للملاحة والاسترواح
– من المقدر أن نحو 40% من كمية الفوسفات التي ترد إلى مياه البحيرات في أوربا، يأتي إليها عن طريق المنظفات الصناعية التى انتشر استعمالها في كل مكان، ولذلك قامت بعض الدول بمنع إضافة الفوسفات إلى هذه المنظفات، وقام بعضها الآخر بتحديد الكميات التي يمكن استخدامها ومن هذه الدول المانيا، وإيطاليا، وسويسرا، وكندا، والنرويج، وبعض الولايات الأمريكية، وذلك حرصا على سلامة مصادر المياه بها وحفاظا على بحيراتها من التلوث .
– قام جدل كبير حول استعمال الفوسفات في هذه المنظفات، فقد قامت شركة رون بولان الفرنسية عام 1989، باعتبارها من كبرى الشركات العالمية المنتجة لهذه المادة، بحملة دعائية كبيرة للدفاع عن استخدام الفوسفات في المنظفات الصناعية، وتصدت لها شركة هنكل Henkel الألمانية التي كانت تنتج منظفات خالية من الفوسفات واحتدمت المعركة بينهما مدة من الزمن.
– يرى القائمون على صناعة هذه المنظفات أنه إذا أريد الاستغناء عن الفوسفات فى المنظفات فلابد من استبدالها بمواد أخرى لها نفس الأثر ونفس الوظيفة المساعدة على التنظيف ولكن لا يوجد لها اثر سام.
بدائل الفوسفات السام المستخدم فى المنظفات الصناعية
– استعمل الصابون فى إحدى المحاولات بديلاً للفوسفات، فهو يتصف بنشاطه السطحى وبقدرته على التنظيف، بالإضافة إلى قدرته على تثبيت أيونات الكالسيوم والماغنسيوم الموجودة بالمياه العسرة، ولكن كثيراً من الشركات المنتجة للمنظفات الصناعية قامت فيما بعد باستبداله بمواد أخرى أفضل منه، مثل بعض أملاح السترات، أو حمض الستريك نفسه، أو حمض تترولوأسيتيك، أو الزيوليت أو رباعى أسيتات إثيلين ثنائي الأمين المعروف باسم إديتا EDTA.
– أغلب هذه المواد تقل سميتها ويقل أثرها الضار بالنسبة للبيئة، عن أثر الفوسفات
(1) حمض الستريك
– حمض الستريك هو وأملاحه موجود في عصير الليمون ونستخدمه في طعامنا ويضاف إلى أصناف مختلفة من الحلوى، كما أنه يتكون في عمليات الأيض (Metabolism) في أجسامنا، ولذا فهو يعد مركباً غير سام.
– لا يسبب حمض الستريك ضرراً للبيئة، فهو يتحلل بيولوجياً بسرعة كبيرة، ولا يبقى في التربة أو في الماء زمناً طويلاً.
– مع ذلك فإن حمض الستريك له بعض العيوب، فهو يفقد نشاطه وقدرته على تثبيت الأيونات عند ارتفاع درجة الحرارة، ولذلك فهو لا يصلح عند إجراء عمليات الغسيل عند درجة حرارة 90o سلزيوس أو أكثر.
(2) حمض تترولو أسيتيك
– أما حمض تترولو أسيتيك فقد استعمل بديلاً للفوسفات منذ نحو 20 عاماً، وبدأ استعماله حديثاً في أوربا وفى بعض الولايات الأمريكية.
– تصل الكمية المستخدمة منه فى كندا نحو 150 جراماً فى كل كيلو جرام من المنظف، أي بنسبة 15%، على حين لا تزيد النسبة المستخدمة منه فى سويسرا على 5 %، وتقع نسبته في أوربا بين هذين الحدين.
– قامت شركة بروكتر و جامبل Procter and Gamble الأمريكية عام 1985 بدراسة سمية حمض تترولو أسيتيك بالنسبة الموجود بها في مياه البحيرات والأنهار، وكذلك في مياه الشرب.
– تبين من هذه الدراسة أن حمض تترولو اسيتيك يتحلل بيولوجيا بسرعة مقبولة، وأن نحو 70% منه يتحلل في خلال 24 ساعة، ويتحلل بنسبة 100% في خلال 72 ساعة.
– كذلك تبين أنه مادة قليلة السمية حيث تصل جرعته المميتة LD50 إلى نحو 100 مليجرام فى كل لتر من الماء بالنسبة لأغلب الكائنات الحية، وقد ترتفع إلى نحو 10 جرام، أى 10.000 مليجرام في كل لتر من الماء بالنسبة لبعضها الآخر، ولا تصل نسبته في المياه الطبيعية عادة إلى مثل هذه الحدود، ولذلك فلا خوف منه على الأسماك والقشريات والطحالب ولا على الإنسان.
– أعلى نسبة الحمض تترولو أسينيك لوحظت في مياه الشرب في كندا كانت لا تزيد على ثلاثة مليجرامات فى اللتر، وكانت في سويسرا أقل من ذلك ولا تزيد على 0.55 من المليجرام في اللتر.
– كذلك كانت في هولندا نحو 1.5 مليجرام في كل لتر من مياه الشرب وهى نسب بعيدة جدا عن الجرعة المميتة منه.
– بذلك يمكن القول بأن حمض تترولو أسيتيك بتحلله الحيوى السريع وبالنسبة لضآلة الكمية التي تتبقى منه فى الماء، لا يمثل خطراً حقيقيا على البيئة وما بها من كائنات.
(3) الزيوليت
– هناك إضافة أخرى استخدمت بديلاً للفوسفات وهي مادة الزيوليت وكانت شركة هنكل الألمانية هى أول من استخدم هذه المادة.
– الزيوليت مادة غير عضوية فهو عبارة عن الومينوسليكات طبيعية ولهذا لا يتدخل في العمليات الحيوية للكائنات الحية ولا يتحلل بيولوجياً.
– وجد أن وجود الزيوليت فى الماء بتركيز يصل إلى نحو 500 مليجرام في اللتر ليس له أثر ملموس على الأسماك والقشريات.
– لا يصل عادة تركيز الزيوليت في الماء إلى هذا الحد المرتفع، فأقصى تركيز له فى المياه الخارجة من آلات الغسيل لا يزيد على 100 مليجرام فقط، ويلاحظ أن هذا التركيز يقل كثيراً عند اختلاط مياه الغسيل بمياه الصرف الأخرى، ولذلك يعتبر الزيوليت مادة غير سامة وليس لها أثر ضار على البيئة.
(4) الإديتا EDTA – رباعى أسيتات إثيلين ثنائي الأمين
– هناك منظفات أضيفت إليها مادة الإديتا أى رباعى أسيتات إثيلين ثنائي الأمين، وهي لا تعد في حقيقة الأمر بديلاً للفوسفات، ولكنها مادة مساعدة على التبييض وإن كانت لها القدرة كذلك على تثبيت أيونات الكالسيوم والمغنسيوم .
– مادة الإديتا صعبة التحلل الحيوى، ورغم ذلك فإن نحو 20% من الإنتاج العالمي للمنظفات يستعمل هذه المادة، ولكن هذه المادة على أية حال لا تضاف إلى المنظفات الصناعية إلا بكميات قليلة، كما في سويسرا حيث لا تزيد نسبتها على 5% فقط.
– أهم ما يعيب مادة الإديتا أن لها القدرة على النقاط أيونات الفلزات الثقيلة من الماء، مثل أيونات الزنك والرصاص والزئبق والكادميوم، وهي أيونات شديدة السمية. ورغم أن سويسرا تستخدم كميات صغيرة من الاديتا في منظفاتها، إلا أن مياه الشرب فيها تحتوى على تركيز من هذه المادة يتراوح بين 0.01 – 0.045 من المليجرام في اللتر.
– رغم أن هذا التركيز يقل كثيراً عن الجرعة المميتة للإدينا، التي تبلغ نحو 10 جرامات فى اللتر عن طريق الفم عن طريق مياه الشرب)، إلا أن أحدا لا يعرف حتى الآن التأثير التراكمى لهذه المادة أو تأثير أملاحها مع الفلزات الثقيلة على الإنسان.
– بينت كثير من الدراسات أن المنظفات السائلة أشد سمية من المنظفات الصناعية المستخدمة على هيئة مساحيق ولكن لحسن الحظ لوحظ أن أغلب المنظفات السائلة سهلة التحلل بالإضافة إلى أن تركيزها في مياه الغسيل يقل كثيرا عند اختلاطها بمياه الصرف الأخرى، وبذلك يصل تركيزها إلى حدود غير ضارة قبل دخولها إلى محطات تنقية المياه التي تنتج مياه الشرب.